كتب – أحمد طلعت –
إذا تمكن أحد عمالقة البريميرليج يوماً من تحقيق نتيجة عريضة على أي فريق مهما كان بستة أو حتى دستة أهداف، سيَسهل عليك ككاتب وناقد رياضي اختيار العنوان المناسب لهذه الحالة الواقعية الطبيعية التي يُمكن أن نراها من شهر لأخر ومن عام لعام في أي من الدوريات والبطولات، لكن عندما يخسر عملاق كبير في معقله وأمام مَن كانت تطلق عليه جماهيره بـالـ “قزم” وبنصف دستة أهداف مع الرأفة فحينها يَموت الكلام وتتبعثر الكلمات وتعجز بطبيعة الحال عن إيجاد التعبير المُناسب لهذا الحدث التاريخي الذي قلما ما يحدث في العقد مرة واحدة هذا إذا حدث!.
سير أليكس فيرجسون الذي بدأ حياته التدريبية منذ 30 عاماً وصف خسارته من مانشستر سيتي بستة أهداف لهدف بأسوأ لحظة في تاريخه العريض كمدرب، فعلى الملعب الذي لقبه سير بوبي تشارلتون بـ “مسرح الأحلام” سقط أمام منافسه على زعامة مدينة مانشستر “مان سيتي” في الجولة التاسعة من البريميرليج، ليُعيد دافيد سيلفا ورفاقه لمحبيهم ذكرى النصر التاريخي الوحيد للسيتي على اليونايتد بستة أهداف لهدف عام 1922 ببطولة الدوري الإنجليزي الدرجة الأولى.
المجزرة الكروية التي وقعت على الأراضي المانشستراوية الحمراء لم تكن أبداً صدفة أو ضربة حظ لملاك الستي وللمدرب روبرتو مانشيني ولاعبيه الذين اجتهدوا وجاهدوا لا لإحتلال المرتبة الأولى بفارق خمس نقاط فحسب بل لمنافسة اليونايتد على أكثر مما يُسمى بزعامة المدينة، وأقصد تجريده من لقب البريميرليج ومنعه من تعزيز صدارته بـ20 لقب!.
وهم الأرض بـ10%
جازف سير أليكس فيرجسون بخطة هجومية بحته بعناصر غير ملائمة لا تستطيع مُجاراة مانشستر سيتي،، مُعتقداً أن قوة جماهيره وملعبه سيؤثران على منهجية الفريق الضيف في التعامل مع مساحاته الشاسعة التي خلفها لاعبوه وسيجعلهم (أولد ترافورد) ينكمشون في مناطقهم الخلفية خوفاً من اهتزاز شباكهم بالهدف تلو الأخر من واين روني أو داني ويلباك كما حدث في مباراة آرسنال (الثمانية الشهيرة).
وهذا اعتقاد خاطيء شكلاً ومضموناً، فقبل تطرقي للأخطاء التكتيكية للسير، علينا أن نتذكر تراجع أهمية الملعب في أوروبا بالذات مع اختلاف العقلية الاحترافية للاعب كرة القدم الذي مهما تعرض لسباب أو صافرات استهجان لا يأبه ويؤدي ما عليه، لذا لم يصبح سلاح الأرض بالسلاح الخارق أو ذو الحد الواحد الذي يؤدي لقتل الخصم، بل تحول ليكون ذو حدين.
وليلة أمس لم يكن فيرجسون الوحيد الذي خسر على ميدانه فقد فاز ليفانتي في ديربي فالنسيا على ملعب فياريال 3/صفر ليتصدر الليجا الإسبانية، وسقط ليفركوزن بهدف في لقاء القمة أمام شالكه ببطولة البوندزليجا، وتعادل الأهلي المصري مع الجونة الذي تأسس من كم شهر في ستاد القاهرة الدولي 1/1!.
الملعب لا يؤثر بأكثر من 10% على نتيجة أي مباراة في كرة القدم الإحترافية هذه الأيام وإلا لمِا خسر سبورتينج لشبونة على ملعبه “خوسيه ألفالاد” نهائي كأس الاتحاد الأوروبي عام 2005 من سيسكا موسكو 3/1 أو خسر مانشستر يونايتد نفسه من برشلونة مايو الماضي بنهائي دوري أبطال أوروبا في العاصمة لندن 1/3، فالكرة لا تعترف لا بملعب ولا بجماهير بقدر اعترافها بالتحضير المادي والخططي والفني والنفسي قبل مثل هذه المباريات الحاسمة والحساسة.
المكابرة بـ4-1-3-2
يجب على أنصار اليونايتد وسير أليكس فيرجسون الإعتراف بأن عناصر فريقهم كأسماء وسمعة متوسطي المستوى –ليس في حال مقارنتها بعناصر آرسنال أو نيوكاسل أو إيفرتون أو ليفربول– لا طبعاً ! فالمقصود
هو أن مانشستر يونايتد كنعاصر وأسماء يعتبر فريق متوسط المستوى حين يُوضع في وجه مقارنة واحدة مع مانشستر سيتي والأمر ذاته ينطبق على بقية الأندية، لكن بعض مدربو البريميرليج عرفوا كيف يتعاملوا مع أغنياء السيتي بما يمتلكونه من أدوات وقد فعلها المدرب الهولندي “مارتن يول” وتعادل معهم 2/2 بعد أن كان متأخراً في كرافن كوتاج بهدفين دون رد الشهر الماضي، أي أن أي فريق في العالم يمكنك ردعه لكن بشرط أن تتعامل بحكمة ودهاء بما تمتلكه من أدوات تكتيكية وعناصر بشرية وليس بأشياء وهمية ليست واقعية كعاملي الأرض والجمهور وخبرة بعض اللاعبين!!.
بمعنى أكثر دقة:
مانشستر يونايتد لم يشتر الصيف الماضي لاعب بحجم دافيد سيلفا أو المُعتزل “بول سكولز” واعتمد على الشاب الإنجليزي “كليفيرلي” في منطقة أم المعارك، وهو لاعب رائع لكن لا يجب أن يكون هو الأساسي بل البديل الأنسب في حال أُصيب الأساسي الذي يجب أن يكون إما شنايدر أو مودريتش.
الصيف الماضي فعلاً فيرجسون أضاع فرصة ثمينة على نفسه لإضافة صانع ألعاب على مستوى عالٍ كمودريتش وشنايدر وخرج ليقول بعنجهية أن لديه كليفيرلي وبوجبا ولابد أن يمنحهما الفرصة كاملة لأنهما شباب المستقبل وسوف يرحلا إذا لم يحصلا على الفرص الكفاية، لكن ماذا بعدما يُسحب البساط من تحت أقدام اليونايتد، هل سيقبل أي لاعب الإنضمام للفريق كما ينفر النجوم الآن من آرسنال؟
وبصرف النظر عن مودريتش وشنايدر (أسعارهما فلكية لمن سيتحجج لذلك) فحتى فرصة اكتشاف لاعب جديد في هذا المركز أهدرها فيرجسون حيث أكد نادي إيفرتون قبل شهر ونصف أنه قد عرض بيع “جاك رودويل” بـ15 مليون إسترليني على اليونايتد لكن فيرجسون رفض وقرر صرف نظره عن ضم اللاعب،إذاً أين بديل كليفيرلي إذا أُصيب؟ لماذا لم يتم تحضيره؟
بالإضافة لغياب لاعب وسط صاحب مرونة تكتيكية مثل دافيد سيلفا أو كليفيرلي فإن مانشستر يونايتد لا يمتلك ترسانة دفاعية أو هجومية جاهزة على أكمل وجه مثل السيتي، فتشيشاريتو تعرض لوابل من الإصابات هذا الموسم من مباراة تشيلسي لستوك ثم رحلته لمباراة البرازيل الودية والإرهاق المعروف!.
وروني مُتأثر بالإيقاف الأوروبي مع المنتخب وويلباك صغير السن لا يمتلك الخبرة الكفاية، وبيرباتوف وأوين لا يتم تحضيرهما فلم يظهرا في الصورة منذ مباراة ليدز يونايتد الشهر الماضي بكأس كارلينج رغم تألقهما الكبير خلال هذا اللقاء الصعب الذي أُقيم على ملعب أيلاند روود، وفرديناند عائد من إصابة وقال فيرجسون بنفسه أنه لن يشركه أثناء حديثه للإعلام من رومانيا حين قابل نادي أوتيلول جالاتي في دوري أبطال أوروبا بحجة حاجته للراحة لأنه حسب إعترافه تخطى الـ32 سنة ولا يجب أن يلعب أكثر من مباراة في سبعة أيام!؟ وإيفانز حدث ولا حرج مدافع أقل من المتوسط لو كان أبقى على جون آوشيه لأفضل بكثير من بقاء هذا الإيفانز.
كل هذه معطيات واضحة وضوح الشمس لفيرجسون لكنه لم يُقدرها، وكابر على ملعبه وجماهيره بوضع رسم تكتيكي غير منطقي على الإطلاق حين تواجه مانشستر سيتي فقد بدأ بنفس تكتيكه أمام برشلونة في نهائي أبطال أوروبا بطريقة ( 4-1-3-2) حين لعب بكاريك وأمامه جيجز في منطقة الوسط الدفاعي أمام عناصر هجومية شرسة مثل ميسي وتشافي وإنيستا وبيدرو وفيا، وهو نفس ما فعله أمام مانشيني حيث بدأ بأندرسون وفليتشر أمام رباعي هجومي كاسح يمتلك المهارات الفردية والسرعة والقدرة على التحرك بدون كرة في الأجزاء الحساسة من الملعب (سيلفا، ملينر، بالوتيلي وأجويرو) وفي نفس الوقت خلق هذا الخصم العنيد إتزاناً رائعاً في خط الوسط بوضع توريه مع جاريث باري.
ما أعرفه وتعرفوه جميعاً، المدربون في الدوري الإنجليزي وأوروبا عموماً يواظبون على الإعلان عن تشكيلاتهم الأساسية والاحتياطية قبل أي مباراة يخوضنها بساعة كاملة، وبما أن فيرجسون مدرب مُخضرم لديه الأدوات التدريبية اللازمة للتصدي لأي تشكيلة مفاجئة للخصم كان عليه التحرك من قبل المباراة بتغيير تخطيطه من 4-1-3-2 للعب بطريقة: 4-2-3-1 بوضع سمولينج وفرديناند في قلب الدفاع وفيل جونز على الطرف الأيمن الذي تألق من خلاله وصنع عدد من الأهداف حيث يمتاز بالعرضيات المتقنة، ووضع بارك وفليتشر في منطقة الوسط الدفاعي وأمامهما أندرسون كمساند هجومي ودفاعي في الوقت نفسه وعلى الأطراف ناني وأشلي يونج وفي الهجوم روني وحيداً والاستغناء عن خدمات ويلباك وإيفانز من المباراة.
وللتوضيح أكثر: مانشيني لعب منذ بداية المباراة بطريقة 4-2-1-2-1 ، والمقصود منها خلق إتزان في أم المعارك ومساندة الوسط للدفاع وقت فقدان الكرة، مع هجوم كاسح في حالة امتلاك الكرة بصانع ألعاب كان دافيد سيلفا مع مهاجمين متحركين هما “بالوتيلي وملينر” على الأطراف ومهاجم صريح كان أجويرو لعب دور المهاجم الوهمي.
في منطقة العمق تواجد صاحب أفضل معدل تمريرات في المباراة “يحيى توريه” وجواره “جاريث باري” وكما نعرف أن الثنائي يُجيدان التغطية العكسية خلف المتقدمين لأداء الدور الهجومي ويمتازان بالقوة البدنية أثناء الالتحام مع الخصم سواء التحام جسدي أو هوائي، وما زاد من قوة وسط السيتي دقتهما الكبيرة في التمرير والتحضير السريع للهجمات والربط السليم بين الوسط والهجوم.
لكن ماذا فعل فيرجسون؟
لعب بدارين فليتشر كوسط دفاعي صريح وهو لاعب عائد بعد غياب طويل جداً عن الملاعب وكان يحتاج لمساند بدني قوي كبارك جي سونج أو فيل جونز الذي لعب أمام ليفربول كلاعب وسط دفاعي وتألق في هذا المركز رغم حداثته عليه، فكان واضحاً منذ زمن بعيد بالتحديد من نهائي دوري أبطال أوروبا 2009 الذي خسره اليونايتد في روما ضعف حيلة البرازيلي “أندرسون” في تنفيذ أدوار لاعب الإرتكاز والمعاون والمساند للدفاع فهو في الأساس صاحب نزعة هجومية ومنذ أن كان مع بورتو البرتغلي وهو لاعب هجومي لا محوري يستطيع التغطية وقص الكرات، لدرجة أن البعض كان يطلق عليه لقب “رونالدينيو الجديد” لإمكانياته العالية في الثالث الأخير من الملعب!.
كما أن فليتشر وأندرسون كانا ينشغلان ما بين تأدية الدور الدفاعي والهجومي أكثر مما كان عليه يحيى توريه وجاريث باري، لأن ليس أمامهما لاعب بقيمة دافيد سيلفا الذي كان يوزع الكرات يميناً ويساراً ويتحكم بحنكة في إيقاع اللعب فقد كان أشبه بحلقة الوصل التي كانت مفقودة وبقوة في اليونايتد لذا رأينا روني يعود كثيراً للخلف لتأدية أدوار ليست بأدواره وويلباك تائه لا حسرة له ولا قوة.
ولأن سيلفا موجود تألقت الأجنحة الهجومية “ميلنر” -صنع هدفان-، وبالوتيلي سجل هدفان، وأجويرو كان يشغل قلبي الدفاع “فرديناند وإيفانز” على أكمل وجه ورغم دوره التكتيكي كمهاجم وهمي أخذ قطعة من الكعكة بتسجيل الهدف الثالث.
ثلاثة أهداف في 3 دقائق..كيف؟
تقاعس فيرجسون بصورة ملحوظة عن إجراء تغييرات مفيدة تعدل من مسار فريقه وتعيده من جديد في اللعبة بعد الهدف الأول لبالوتيلي، وهذه كانت أحد الأسباب الرئيسية في هلاكه وخسارته بهذه النتيجة العريضة واهتزاز شباكه ثلاث مرات في أخر 3 دقائق من المباراة.
فبعد طرد جونثان إيفانز لم يُحرك ساكناً وانتظر طويلاً حتى استفاق من غفوته ليأتي الهدف الثاني ثم (حَب يكحلها عماها) حين دفع بفيل جونز وتشيشاريتو بدلاً من ناني وأندرسون، أي أنه فرغ وسط الملعب وسلمه تسليماً كاملاً لمانشيني على طبق من فضة، ليدفع المانشيو بسمير نصري وكولاروف ودجيكو في الدقائق الـ15 الأخيرة، وهذا ما كثف الضغط الهجومي أكثر على اليونايتد لتنفرج النتيجة من 3/1 لـ6/1 منذ الدقيقة 90 وحتى 93 !!. بل وكادت تزيد لـ8 أو 9 !!.
الأسكتلندي ذهب عقله في الشوط الثاني بكل تأكيد، فكيف لم يفكر ببارك جي سونج بدلاً من أندرسون لتنشيط الوسط مع فليتشر، ولماذا لم يفكر في الدفع بتشيشاريتو بدلاً من ويلباك لإحياء خط الهجوم مع واين روني، ولماذا لم يسحب إيفرا أو فرديناند اللذان أصابهما الإرهاق بشدة والدفع بفيل جونز بدلاً من أحدهما.
التغييرات الغريبة التي أجراها فيرجسون في منتصف الشوط الثاني كانت أحد الأسباب الرئيسية التي أدت لخسارة بطل البريميرليج بهذه النتيجة العريضة، فقد كان الأسكتلندي أشبه بلاعب شطرنجي يندفع دون البكاء على شيء بعد خسارته للوزير والحصان والطابية ليجازف بالملك وحده وسط العسكر والفيلة ليُقضى عليه في دقائق معدودة وهذا ما كان.
الخلاصــة |
الأسبوع الماضي دافع فيرجسون دون سبب أمام ليفربول الذي لا يمتلك الأسلحة الهجومية الفتاكة، وهذا الأسبوع هاجم ولعب بتشكيل متحرر أمام فريق عتيد وعنيد لديه أسلحة ذرية، والحجة أنه كان ضيفاً في اللقاء الأولى في أنفيلد روود وفي الثانية كان على ميدانه، وكأنه لا يعرف أن كرة القدم تخلصت من هذه الموضة القديمة “أرضي وأرضك”.!