تقرير : أحمد أبوعرب
ظاهرة المدرّبين الشبان ليست جديدة على ملاعب كرة القدم، إلا أنها بدت في السنوات الأخيرة أحد عوامل النجاح في بعض الأندية التي أقدمت إداراتها على وضع الثقة في مدرّبين لم يغز الشيب رؤوسهم بعد.
ثورة كلوب الصفراء
ثورة حقيقية أحدثها يورغن كلوب (44عاماً) في نادي بوروسيا دورتموند وفي الدوري الألماني على حد سواء، حين اتبع سياسة “إنفاق أقل ولاعبون أصغر” أعاد بها الفريق إلى منصات التتويج بعد غياب منذ عام 2002، تاريخ آخر بطولة لدورتموند.
وقاد كلوب فريقه لتحقيق ثنائية هي الأولى في تاريخ النادي، فحافظ على لقب الـ”بوندسليغا”، وتُوِّج بكأس ألمانيا أمس على حساب بايرن ميونيخ، مُكرِّساً تفوّقه على النادي البافاري بالانتصار الخامس على التوالي تحت إشرافه.
ويحقّ لهذا المدرِّب- الذي كان رجلاً مغموراً نوعاً ما سواء في التدريب أو اللعب- أن يفخر بنهجه الحالي، إذ لا يتجاوز مُعدَّل أعمار لاعبيه 24 عاماً فقط، مع الإشارة إلى أنه كان الأقل إنفاقاً هذا الموسم ( أقل من عشرة ملايين يورو) بالنسبة للأندية المتوّجة بالبطولات الخمس الكبرى.
وتدرَّج مدرِّب ولاعب ماينتس السابق بطموحاته مع النادي، ففي موسميه الأوّل والثاني نجح في تحسين مركز فريقه الجديد على جدول الترتيب بعد مستويات هزيلة مع المدرّب توماس دول.
وفي موسم 2010/2011 قاد كلوب مجموعة رائعة من اللاعبين أمثال: التركي نوري شاهين، ماريو غوتزه، والبارغوياني لوكاس باريوس، الياباني شينغي كاغاوا (أحد اكتشافات كلوب حين أتى به من الدرجة الثانية في اليابان) والبولنديين روبرت ليفاندوفسكي وياكوب بواشتكوفسكي، بمساندة خيالية من جمهور ملعب “سيغنال ايدونا بارك” ساهمت في فوز الفريق ببطولة الدوري.
وفي الموسم المنصرم 2011/2012 وحين شكّك الكثيرون بإمكانية بقاء دورتموند على القمّة لرحيل عدد من نجومه ونشاط منافسيه في سوق الانتقالات، حافظ الفريق الأصفر على بريقه وحقّق اللقب الغالي مرّة جديدة بعد منافسة شرسة من بايرن ميونيخ.
على الصعيد القاري، لا بد أن نذكر أن حامل لقب دوري أبطال أوروبا عام 1997، لم ينجح في تكرار نتائجه الرائعة محليّاً، فلم يترك كلوب أثراً يُذكر في أعرق الكؤوس هذا الموسم، حين خرج بفوز واحد محتلّاً المركز الأخير في المجموعة السادسة.
وحاز المدرّب، الذي قاد دورتموند في 166 مباراة، على أكثر من إطراء كبار مدرّبي اللعبة في العالم، إذ أصبح اسمه متداولاً في أندية عريقة كـ “تشلسي وإنتر وريال مدريد”، حتى أن القيصر فرانز بكنباور رأى فيه رجلاً مناسباً لتدريب بايرن، فما كان من إدارة بطل الدوري الألماني إلا أن تقطع الطريق أمام الراغبين بكلوب وتجدّد له حتى 30 حزيران/يونيو 2016.
ولعل أهم ما غرس ابن مدينة شتوتغارت في نفوس لاعبيه من خلال شخصيته القيادية هو الانضباط والاحترام داخل وخارج الملعب وأثناء المباريات والتدريبات وهو نهج المدرّبين الألمان عموماً.
ساعده بكل تأكيد وجود لاعبين قابلين للتطوّر بسرعة مذهلة طبقوا رؤاه الكروية بدون فلسفة زائدة أو استهتار.
وتُقارب صورة الأداء التي يظهر بها فريق كلوب تلك التي يقدّمها منتخب “المانشافت” بقيادة يواكيم لوف، حيث يحرص المدرّبان على الاستفادة من الطاقة القصوى لكلِّ لاعب مع الاعتماد الواضح على الدفاع العالي وتضييق المساحات أمام الخصم. والأهم من كلّ ذلك هو رسم الخطط والتكتيكات التي تعتمد على منظومة اللعب الجماعي لا النجم الأوحد.
وهذا التشابه في أداء دورتموند والمنتخب دفع رئيس الاتحاد الألماني فولفغانغ نيرسباخ إلى القول إن كلوب حتماً سوف يجد طريقه إلى قيادة منتخب الماكينات يوما ماً.
سيميوني يعيد هويّة البطل لأتلتيكو
حين أُقصي أتلتيكو مدريد من كأس ملك إسبانيا على يد فريق من الدرجة الثالثة هو الباسيتي، عاجزاً عن تحقيق الفوز عليه في الذهاب والإياب، اعتقد عشاق الـ”روخي بلانكوس” أن فريقهم سيواصل سقوطه المروِّع في بطولتي الدوري الإسباني والدوري الأوروبي بقيادة المدرّب غريغوريو مانزانو، الذي لم يحقّق الفوز إلا في 5 مناسبات من أصل 16 مباراة في الليغا، احتلّ بها المركز العاشر.
لكن رئيس النادي إنريكي سيريزو، وجد ضالته في لاعب له مسيرة مميّزة على ملعب “فيسنتي كالديرون” وهو الأرجنتيني دييغو سيميوني (41 عاماً) الذي تعتبره الجماهير أحد أبناء النادي، فقد مثّل أتلتيكو لاعباً على مرحلتين بين عامي 1994 و1997 وبين عامي 2003 و 2005، وواحد من صناع الإنجاز التاريخي بجمع ثنائية الدوري وكأس الملك عام 1996.
فور تسلّمه دفة القيادة، اختار الدولي الأرجنتيني السابق مواطنه جيرمان بورغوس (42 عاماً) الذي حرس مرمى أتلتيكو مدريد بين عامي 2001 و2004، ليساعده في التدريب.
ومهدت النتائج الإيجابية في المواجهات العشر الأولى لسيميوني، التي أنهاها بلا خسارة، الطريق أمام الكولومبي رادميل فالكاو ورفاقه لإعادة بناء جسور الثقة بينهم وبين الجماهير، ونجح بطل الدوري (9 مرات يأتي بعد ريال مدريد وبرشلونة) بالصعود إلى المركز الخامس بفارق نقطتين عن ملقا 53 للأوّل و55 للثاني قبل اختتام الليغا بمرحلة واحدة.
وليس هذا فحسب، فالفريق الذي توّج عام 2010 بـ”اليوروبا ليغ” على حساب فولهام الإنكليزي بإلهام من الأروغوياني دييغو فورلان، لم ينتظر أكثر من عامين للعودة إلى منصات التتويج، هذه المرّة على حساب مواطنه أتلتيك بلباو وبإلهام من ملك المسابقة في العامين الماضيين وهدّافها فالكاو، الذي سجّل هدفين من أجمل أهداف البطولة ككل، في المباراة التي انتهت بثلاثية نظيفة ضد أتلتيك بلباو، وسجّل الثالث البرازيلي دييغو.
ولعل أوّل ما عمل عليه سيميوني في المدريدي الصغير هو إعادة التوازن للخطوط الثلاثة حين كان دفاعه قبل كانون الأول/ديسمبر (تاريخ قدوم دييغو) يعاني الأمرّين حتى أمام فرق الوسط في إسبانيا.
ويُحسب لسيميوني استثمار جميع مفاتيح اللعب لديه ليس فقط فالكاو والبرازيلي دييغو (الذي أعاد له البريق) على وجه التحديد بل الإسباني أدريان لوبيز والحارس البلجيكي تيبوت كورتوا، الذي تحسّن مستواه مع تحسّن أداء الفريق ككلّ وتوجه بمستوى رائع في نهائي الدوري الأوروبي.
واستهل سيميوني مسيرته التدريبية مع راسينغ كلوب عام 2006، ثم درّب استوديانتيس في العام ذاته وحقّق معه بطولة الدوري، وكرّر الانجاز مع ريفر بلايت (2008)، كما درّب سان لورنزو (2009-2010)، وكاتانيا الإيطالي من كانون الثاني/يناير إلى حزيران/ يونيو 2011 قبل العودة إلى راسينغ كلوب، وكان تذوّق طعم كأس الاتحاد الأوروبي لاعباً مع إنتر ميلان عام 1998.
يُذكر أن سيميوني قاد أتلتيكو مدريد في 30 مباراة حقّق الفوز بـ 18 منها وتعادل 7 وخسر 5، ويمتدّ عقده حتى نهاية موسم 2012/ 2013.
انطباع جيّد عن ستراماتشوني
في ثماني مباريات قاد فيها أندريا ستراماتشوني (36 عاماً) فريق إنتر ميلان الإيطالي ترك المدرّب الشاب انطباعاً جيداً ليس فقط في أروقة “النيرازوري” بل لدى كلّ مَن تابع مباريات الفريق، الذي لم يخسر في عهدته سوى مرّة واحدة مقابل تعادلين وخمسة انتصارات أهمها النصر الرائع في ديربي الغضب على جاره ميلان (4-2).
وقبل تولّيه تدريب إنتر مكان المُخضرم كلاديو رانييري، كان القليلون فقط سمعوا بستراماتشوني، مدافع بولونيا السابق الذي أنهت الإصابة في ركبته مسيرته كلاعب قبل أن تبدأ موسم (1994/1995).
بعد الاعتزال القصري اتجه أندريا إلى التدريب في فرق الشباب، فتولّى تدريب شباب روما عام 2005، ولاحقاً خرَّج مجموعة مميّزة من فريق إنتر ناسيونالي بريمافيرا، الذي يعد الفريق الرديف لإنتر ما لفت أنظار رئيس نادي إنتر ماسيمو موراتي له.
ومن المُلفت أن أندريا لا يحمل رخصة التدريب الأوروبية الأولى التي تخوّله قيادة أحد فرق الدرجة الأولى أو الثانية، ولكن القانون الإيطالي يسمح بتولّيه المهمة في حال كان المدرّب المساعد يحمل هذه الشهادة، وهذا ما تحقّق بوجود جوسيبي باريزي، الذي شغل منصب المدرّب المساعد في إنتر أيام البرتغالي جوزيه مورينيو وهو يكبر ستراماتشوني بـ 18 عاماً!.
الشاب الذي بدا خجولاً في قاعة المؤتمرات الصحفية، الحائز شهادة في القانون قبل عامين، أوقف مِحن إنتر، وحاول إثبات نفسه في أولى تجاربه في السيرا A، وحتى في حال لم يستمر في مهمته في الموسم القادم، يُحسب له بكلّ تأكيد إعادة شيء من الروح لكتيبة إنتر رغم خروجها خالية الوفاض هذا الموسم.